( أصيل بلا صهيل)
د . بسام العموش
قرر " أصيل " أن يتزوج وذلك عندما شاهد ابنة عمه ( الهنوف) فائقة الجمال ، والفرصة لا تُفوت . اتفق الطرفان وكتبوا عقد الزواج " ودفعوا للحكومة والمأذون " . بارك الله زواجهما ونتج عنه تشريف المولود " مكافح" وتم استخراج شهادة ميلاد له " ودفع أصيل للحكومة " . ولما بلغ الطفل السادسة ارسلت ابوه إلى مدرسة حكومية " ودفع رسوم التسجيل " . خلال خلطة مكافح لزملائه في المدرسة الحكومية المتهالكةوالمكتظة والتي دخلها لانه لا يستطيع الاقتراب من المدارس الخاصة ، انتقل إليه مرض بالعدوى فكان لابد من التأمين الصحي فدفع أصيل رسوم التأمين .وفي البيت المستأجر جاءت فواتير الكهرباء والماء والهاتف ودفع أصيل بل دفع معهاضريبة التلفزيون ورسوم الجامعة رغم أن ابنه ابتدائي فوكل أمره إلى الله وقال : جاري العقيم يدفع رسوم الجامعة ولأنني " أصيل" فأنا اولى بالدفع منه . وكلما نزل إلى السوق ليشتري مطعومات أو ملبوسات فإنه يدفع ويمارس الوطنية بدفع ستة عشر بالمائة ضريبة مبيعات حتى لو كان رغيف خبز ، فالمهم هو أن يبقى أصيلا" محبا" لوطنه .وأثناء مراجعات دوائر الحكومة طلبوا منه دفتر عائلة فقصد المكان المحدد واستخرج الدفتر ودفع الرسوم المقررة كي يفخر بأنه رب عائلة وطنية . وما دام أنه في المكتب الذي يصدر جوازات السفر استخرج ثلاث جوازات لعل الله يكتب له الحج أو العمرة أو السياحة في استانبول والمهم أنه " دفع" شكرا" للحكومة التي ستسمح له بترك التي الوطن لحين رغم انه يعشقه لكنه يعلم أن جفوة الوطن عليها ضريبة فدفع ضريبة المغادرة حتى يتعلم ويتربى فلا يغادر وطنه مرة أخرى لأن الوطن سيبكي خلال غيابه . وبالرغم من محدودية دخله إلا أنه كان ملتزما" بدفع ضريبة الدخل ولا يتهرب كما يفعل الحيتان الذين يرون الوطن بقرة حلوبا" بينما هو يراه أمه وأباه وفيه قبور احبابه فلن يتهرب ولن يكذب ولن يزور . استمر أصيل في الدفع لما بنى بيته بعرق جبينه واستمر إلى اليوم يدفع ثمن السقف الذي بناه لأن السقف قد اقتطع جزءا" من هواء الوطن ولا بد من ضريبة " المسقفات" بعد أن دفع رسوم البناء والمخططات واعمال الهندسة تصميما" و اشرافا" ودفع ضريبة على كل المواد التي اشتراها بعرق جبينه من اسمنت وحديد بالرغم من علمه أن متنفذي بورصة هذه المواد يتلاعبون يرزق عياله وعرق جبينه . سكن البيت وذبح " الوكيرة " ودعا الجيران وكان لا بد من أن يدفع ضريبة المجاري لانه يؤذي الوطن بمخلفاته والغرم بالغنم. انتقل مكان عمله فاحتاج لسيارة صغيرة فقصد البنوك فدفع ثمنها مضاعفا" بفضل الفوائد التي انضمت إليها مخالفات لم يكن يعلم عنها فالتزم أصيل ودفع .
وحين راجع إحدى المؤسسات قالوا له الدفع بواسطة شركة تريد مساعدتك مقابل مبلغ رمزي فخضع أصيل. وجد فاتورة الكهرباء عالية فغكر في الطاقة الشمسية وإذ لها رسوم إذ كيف تأخذ شمس الوطن بدون دفع فدفع أصيل. ولما وجد البنزين في ارتفاع مستمر قرر بيع السيارة لكن البيع عليه دفع فدفع . ولما افلس باع بيته بدفع رسوم نقل ملكية فدفع.
لم يستطع أصيل متابعة الدفع فجاءته جلطة أراحته من رسوم اثبات أنه وطني لكن ولده
" مكافح " الذي استلم الراية اشترى له قبرا" ودفع ثمن شهادة الوفاة وبدأ رحلته الشخصية لاثبات وطنيته كما فعل ابوه . يحيا الوطن يحيا الوطن والرحمة لأصيل وأعان الله تعالى الله ولده مكافح.